سورة الصافات - تفسير تفسير البيضاوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الصافات)


        


{والله خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} أي وما تعملونه فإن جوهرها بخلقه وشكلها وإن كان بفعلهم، ولذلك جعل من أعمالهم فبإقداره إياهم عليه وخلقه ما يتوقف عليه فعلهم من الدواعي والعدد، أو عملكم بمعنى معمولكم ليطابق ما تنحتون، أو إنه بمعنى الحدث فإن فعلهم إذا كان بخلق الله تعالى فيهم كان مفعولهم المتوقف على فعلهم أولى بذلك، وبهذا المعنى تمسك أصحابنا على خلق الأعمال ولهم أن يرجحوه على الأولين لما فيها من حذف أو مجاز.
{قَالُواْ ابنوا لَهُ بنيانا فَأَلْقُوهُ فِى الجحيم} في النار الشديدة من الجحمة وهي شدة التأجج، واللام بدل الإِضافة أي جحيم ذلك البنيان.
{فَأَرَادُواْ بِهِ كَيْداً} فإنه لما قهرهم بالحجة قصدوا تعذيبه بذلك لئلا يظهر للعامة عجزهم. {فجعلناهم الأسفلين} الأذلين بإبطال كيدهم وجعله برهاناً نيراً على علو شأنه، حيث جعل النار عليه برداً وسلاماً.
{وَقَالَ إِنّي ذَاهِبٌ إلى رَبّي} إلى حيث أمرني ربي وهو الشام، أو حيث أتجرد فيه لعبادته. {سَيَهْدِينِ} إلى ما فيه صلاح ديني أو إلى مقصدي، وإنما بت القول لسبق وعده أو لفرط توكله، أو البناء على عادته معه ولم يكن كذلك حال موسى عليه الصلاة والسلام حين {قَالَ عسى رَبّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاء السبيل} فلذلك ذكر بصيغة التوقع.
{رَبّ هَبْ لِي مِنَ الصالحين} بعض الصالحين يعينني على الدعوة والطاعة ويؤنسني في الغربة، يعني الولد لأن لفظ الهبة غالبة فيه ولقوله: {فبشرناه بغلام حَلِيمٍ} بشره بالولد وبأنه ذكر يبلغ أوان الحلم، فإن الصبي لا يوصف بالحلم ويكون حليماً وأي حلم مثل حلمه حين عرض عليه أبوه الذبح وهو مراهق فقال: {سَتَجِدُنِي إِن شَاء الله مِنَ الصابرين} وقيل ما نعت الله نبياً بالحلم لعزة وجوده غير إبراهيم وابنه عليهما الصلاة والسلام، وحالهما المذكورة بعد تشهد عليه.
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السعي} أي فلما جَّد وبلغ أن يسعى معه في أعماله، و{مَعَهُ} متعلق بمحذوف دل عليه {السعي} لا به لأن صلة المصدر لا تتقدمه ولا يبلغ فإن بلوغهما لم يكن معاً كأنه لَمَّا قال: {فَلَمَّا بَلَغَ السعي} فقيل مع من فقيل: {مَعَهُ}، وتخصيصه لأن الأب أكمل في الرفق والاستصلاح له فلا يستسعيه قبل أوانه، أو لأنه استوهبه لذلك وكان له يومئذ ثلاث عشرة سنة. {قَالَ يَا بَُنَيَّ} وقرأ حفص بفتح الياء. {إِنّى أرى فِى المنام أَنّى أَذْبَحُكَ} يحتمل أنه رأى ذلك وأنه رأى ما هو تعبيره، وقيل إنه رأى ليلة التروية أن قائلاً يقول له: إن الله يأمرك بذبح ابنك، فلما أصبح روى أنه من الله أو من الشيطان، فلما أمسى رأى مثل ذلك فعرف أنه من الله، ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره وقال له ذلك، ولهذا سميت الأيام الثلاثة بالتروية وعرفة والنحر، والأظهر أن المخاطب إسمعيل عليه السلام لأنه الذي وهب له أثره الهجرة ولأن البشارة بإسحاق بعد معطوفة على البشارة بهذا الغلام، ولقوله عليه الصلاة والسلام: «أنا ابن الذبيحين» فأحدهما جده إسمعيل والآخر أبوه عبد الله، فإن جده عبد المطلب نذر أن يذبح ولداً إن سهل الله له حفر زمزم أو بلغ بنوه عشرة، فلما سهل أقرع فخرج السهم على عبد الله ففداه بمائة من الإِبل، ولذلك سنت الدية مائة ولأن ذلك كان بمكة وكان قرنا الكبش معلقين بالكعبة حتى احترقا معها في أيام ابن الزبير، ولم يكن إسحاق ثمة ولأن البشارة بإسحاق كانت مقرونة بولادة يعقوب منه فلا يناسبها الأمر بذبحه مراهقاً، وما روي: «أنه عليه الصلاة والسلام سئل أي النسب أشرف فقال: يوسف صديق الله بن يعقوب إسرائيل الله بن إسحق ذبيح الله بن إبراهيم خليل الله» فالصحيح أنه قال: فقال: «يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم» والزوائد من الراوي. وما روي أن يعقوب كتب إلى يوسف مثل ذلك لم يثبت. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو بفتح الياء فيهما. {فانظر مَاذَا ترى} من الرأي، وإنما شاوره فيه وهو حتم ليعلم ما عنده فيما نزل من بلاء الله فيثبت قدمه إن جزع، ويأمن عليه إن سلم وليوطن نفسه عليه فيهون ويكتسب المثوبة بالانقياد له قبل نزوله، وقرأ حمزة والكسائي {مَاذَا ترى} بضم التاء وكسر الراء خالصة، والباقون بفتحها وأبو عمرو يميل فتحة الراء وورش بين بين والباقون بإخلاص فتحها. {قَالَ يَا أَبَتِ} وقرأ ابن عامر بفتح التاء. {افعل مَا تُؤمَرُ} أي ما تؤمر به فحذفا دفعة، أو على الترتيب كما عرفت أو أمرك على إرادة المأمور به والإِضافة إلى المأمور، أو لعله فهم من كلامه أنه رأى أنه يذبحه مأموراً به، أو علم أن رؤيا الأنبياء حق وأن مثل ذلك لا يقدمون عليه إلا بأمر، ولعل الأمر في المنام دون اليقظة لتكون مبادرتهما إلى الامتثال أدل على كمال الانقياد والإخلاص، وإنما ذكر بلفظ المضارع لتكرر الرؤيا. {سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ الله مِنَ الصابرين} على الذبح أو على قضاء الله، وقرأ نافع بفتح الياء.


{فَلَمَّا أَسْلَمَا} استسلما لأمر الله أو سلما الذبيح نفسه وإبراهيم ابنه، وقد قرئ بهما وأصلها سلم هذا لفلان إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه. {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض وهو أحد جانبي الجبهة. وقيل كبه على وجهه بإشارته لئلا يرى فيه تغيراً يرق له فلا يذبحه، وكان ذلك عند الصخرة بمنى أو في الموضع المشرف على مسجده، أو المنحر الذي ينحر فيه اليوم.
{وناديناه أَن ياإبراهيم قَدْ صَدَّقْتَ الرؤيا} بالعزم والإِتيان بالمقدمات. وقد روي أنه أمر السكين بقوته على حلقه مراراً فلم تقطع، وجواب {لما} محذوف تقديره كان ما كان مما ينطلق به الحال ولا يحيط به المقال، من استبشارهما وشكرهما لله تعالى على ما أنعم عليهما من دفع البلاء بعد حلوله والتوفيق بما لم يوفق غيرهما لمثله، وإظهار فضلهما به على العالمين مع إحراز الثواب العظيم إلى غير ذلك. {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المحسنين} تعليل لإِفراج تلك الشدة عنهما بإحسانهما، واحتج به من جوز النسخ قبل وقوعه فإنه عليه الصلاة والسلام كان مأموراً بالذبح لقوله: {ياأبت افعل مَا تُؤمَرُ} ولم يحصل.
{إِنَّ هذا لَهُوَ البلاء المبين} الابتلاء البين الذي يتميز فيه المخلص من غيره، أو المحنة البينة الصعوبة فإنه لا أصعب منها.
{وفديناه بِذِبْحٍ} بما يذبح بدله فيتم به الفعل. {عظِيمٍ} عظيم الجثة سمين، أو عظيم القدر لأنه يفدي به الله نبياً ابن نبي وأي نبي من نسله سيد المرسلين. قيل كان كبشاً من الجنة. وقيل وعلاً أهبط عليه من ثبير. وروي أنه هرب منه عند الجمرة فرماه بسبع حصيات حتى أخذه فصارت سنة، والفادي على الحقيقة إبراهيم عليه الصلاة والسلام وإنما قال وفديناه لأن الله المعطي له والآمر به على التجوز في الفداء أو الإِسناد، واستدل به الحنفية على أن من نذر ذبح ولده لزمه ذبح شاة وليس فيه ما يدل عليه.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين سلام على إبراهيم} سبق بيانه في قصة نوح عليه السلام. {كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين} لعله طرح عنه أنا اكتفاء بذكره مرة في هذه القصة.
{إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين وبشرناه بإسحاق نَبِيّاً مّنَ الصالحين} مقضياً نبوته مقدراً كونه من الصالحين وبهذا الاعتبار وقعا حالين ولا حاجة إلى وجود المبشر به وقت البشارة، فإن وجود ذي الحال غير شرط بل الشرط مقارنة تعلق الفعل به لاعتبار المعنى بالحال، فلا حاجة إلى تقدير مضاف يجعل عاملاً فيهما مثلاً و{بشرناه} بوجود إسحق أي بأن يوجد إسحق نبياً من الصالحين، ومع ذلك لا يصير نظير قوله: {فادخلوها خالدين} فإن الداخلين مقدرون خلودهم وقت الدخول وإسحق لم يكن مقدراً نبوة نفسه وصلاحها حينما يوجد، ومن فسر الذبيح بإسحق جعل المقصود من البشارة نبوته، وفي ذكر الصلاح بعد النبوة تعظيم لشأنه وإيماء بأنه الغاية لها لتضمنها معنى الكمال والتكميل بالفعل على الإِطلاق.
{وباركنا عَلَيْهِ} على إبراهيم في أولاده. {وعلى إسحاق} بأن أخرجنا من صلبه أنبياء بني إسرائيل وغيرهم كأيوب وشعيب، أو أفضنا عليهما بركات الدين والدنيا، وقرئ: {وبركنا}. {وَمِن ذُرّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ} في عمله أو إلى نفسه بالإِيمان والطاعة. {وظالم لّنَفْسِهِ} بالكفر والمعاصي. {مُّبِينٌ} ظاهر ظلمه، وفي ذلك تنبيه على أن النسب لا أثر له في الهدى والضلال وأن الظلم في أعقابها لا يعود عليهما بنقيصه وعيب.
{وَلَقَدْ مَنَنَّا على موسى وهارون} أنعمنا عليهما بالنبوة وغيرها من المنافع الدينية والدنيوية.
{ونجيناهما وَقَوْمَهُمَا مِنَ الكرب العظيم} من تغلب فرعون أو الغرق.
{ونصرناهم} ثم الضمير لهما مع القوم. {فَكَانُواْ هُمُ الغالبين} على فرعون وقومه.
{وءاتيناهما الكتاب المستبين} البليغ في بيانه وهو التوراة.
{وهديناهما الصراط المستقيم} الطريق الموصل إلى الحق والصواب.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِى الآخرين سلام على موسى وهارون إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين}.
{إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} سبق مثل ذلك.
{وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المرسلين} هو إلياس بن ياسين سبط هرون أخى موسى بعث بعده. وقيل إدريس لأنه قرئ إدريس وإدراس مكانه وفي حرف أبي رضي الله عنه. وقيل إيليس وقرأ ابن ذكوان مع خلاف عنه بحذف همزة إلياس.
{إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَلاَ تَتَّقُونَ} عذاب الله.
{أَتَدْعُونَ بَعْلاً} أتعبدونه أو أتطلبون الخير منه، وهو اسم صنم كان لأهل بَكَّ من الشام وهو البلد الذي يقال له الآن بعلبك وقيل البعل الرب بلغة اليمن، والمعنى أتدعون بعض البعول. {وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الخالقين} وتتركون عبادته، وقد أشار فيه إلى المقتضي للإنكار المعني بالهمزة ثم صرح به بقوله: {الله رَبَّكُمْ وَرَبَّ ءَابَائِكُمُ الأولين} وقرأ حمزة والكسائي ويعقوب وحفص بالنصب على البدل.
{فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} أي في العذاب، وإنما أطلقه اكتفاء منه بالقرينة، أو لأن الإِحضار المطلق مخصوص بالشر عرفاً.
{إِلاَّ عِبَادَ الله المخلصين} مستثنى من الواو لا من المحضرين لفساد المعنى.
{وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخرين}.
{سلام على إِلْ يَاسِينَ} لغة في إلياس كسيناه وسينين، وقيل جمع له مراد به هو وأتباعه كالمهلبين، لكن فيه أن العلم إذا جمع يجب تعريفه باللام أو للمنسوب إليه بحذف ياء النسب كالأعجمين وهو قليل ملبس، وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب على إضافة {ءالَ} إلى {يَاسِينَ} لأنهما في المصحف مفصولان فيكون {يَاسِينَ} أبا {إِلْيَاسَ}، وقيل محمد عليه الصلاة والسلام أو القرآن أو غيره من كتب الله والكل لا يناسب نظم سائر القصص ولا قوله: {إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى المحسنين إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المؤمنين} إذ الظاهر أن الضمير لإلياس.
{وَإِنَّ لُوطاً لَّمِنَ المرسلين إِذْ نجيناه وَأَهْلَهُ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عَجُوزاً فِى الغابرين ثُمَّ دَمَّرْنَا الآخرين} سبق بيانه.
{وَإِنَّكُمْ} يا أهل مكة. {لَّتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ} على منازلهم في متاجركم إلى الشام فإن سدوم في طريقه. {مُّصْبِحِينَ} داخلين في الصباح.
{وباليل} أي ومساء أو نهاراً وليلاً، ولعلها وقعت قريب منزل يمر بها المرتحل عنه صباحاً والقاصد لها مساء. {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} أفليس فيكم عقل تعتبرون به.


{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المرسلين} وقرئ بكسر النون.
{إِذْ أَبَقَ} هرب، وأصله الهرب من السيد لكن لما كان هربه من قومه بغير إذن ربه حسن إطلاقه عليه. {إِلَى الفلك المشحون} المملوء.
{فساهم} فقارع أهله. {فَكَانَ مِنَ المدحضين} فصار من المغلوبين بالقرعة، وأصله المزلق عن مقام الظفر. روي أنه لما وعد قومه بالعذاب خرج من بينهم قبل أن يأمره الله، فركب السفينة فوقفت فقالوا: هاهنا عبد آبق فاقترعوا فخرجت القرعة عليه، فقال أنا الآبق ورمى بنفسه في الماء.
{فالتقمه الحوت} فابتلعه من اللقمة. {وَهُوَ مُلِيمٌ} داخل في الملامة، أو آت بما يلام عليها أو مليم نفسه، وقرئ بالفتح مبنياً من ليم كمشيب في مشوب.
{فَلَوْلاَ أَنَّهُ كَانَ مِنَ المسبحين} الذاكرين الله كثيراً بالتسبيح مدة عمره، أو في بطن الحوت وهو قوله: {لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سبحانك إِنّى كُنتُ مِنَ الظالمين} وقيل من المصلين.
{لَلَبِثَ فِى بَطْنِهِ إلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} حياً وقيل ميتاً، وفيه حث على إكثار الذكر وتعظيم لشأنه، ومن أقبل عليه في السراء أخذ بيده عند الضراء.
{فنبذناه} بأن حملنا الحوت على لفظه. {بالعراء} بالمكان الخالي غما يغطيه من شجر أو نبت. روي أن الحوت سار مع السفينة رافعاً رأسه يتنفس فيه يونس ويسبح حتى انتهوا إلى البر فلفظه، واختلف في مدة لبثه فقيل بعض يوم وقيل ثلاثة أيام وقيل سبعة، وقيل عشرون وقيل أربعون. {وَهُوَ سَقِيمٌ} مما ناله قيل صار بدنه كبدن الطفل حين يولد.
{وَأَنبَتْنَا عَلَيْهِ} أي فوقه مظلة عليه. {شَجَرَةً مّن يَقْطِينٍ} من شجر ينبسط على وجه الأرض ولا يقوم على ساقه، يفعيل من قطن بالمكان إذا أقام به، والأكثر على أنها كانت الدباء غطته بأوراقها عن الذباب فإنه لا يقع عليه، ويدل عليه أنه قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنك لتحب القرع، قال: «أجل هي شجرة أخي يونس» وقيل التين وقيل الموز تغطى بورقه واستظل بأغصانه وأفطر على ثماره.
{وأرسلناه إلى مِاْئَةِ أَلْفٍ} هم قومه الذين هرب عنهم وهم أهل نينوى، والمراد به ما سبق من إرساله أو إرسال ثان إليهم أو إلى غيرهم. {أَوْ يَزِيدُونَ} في مرأى الناظر أي إذا نظر إليهم، قال هم مائة ألف أو يزيدون والمراد الوصف بالكثرة وقرئ بالواو.
{فَئَامِنُواْ} فصدقوه أو فجددوا الإِيمان به بمحضره. {فمتعناهم إلى حِينٍ} إلى أجلهم المسمى، ولعله إنما لم يختم قصته وقصة لوط بما ختم به سائر القصص تفرقة بينهما وبين أرباب الشرائع الكبر وأولى العزم من الرسل، أو اكتفاء بالتسليم الشامل لكل الرسل المذكورين في آخر السورة.
{فاستفتهم أَلِرَبّكَ البنات وَلَهُمُ البنون} معطوف على مثله، في أول السورة أمر رسوله أولاً باستفتاء قريش عن وجه إنكارهم البعث، وساق الكلام في تقريره جاراً لما يلائمه من القصص موصولاً بعضها ببعض، ثم أمر باستفتائهم عن وجه القسمة حيث جعلوا لله البنات ولأنفسهم البنين في قولهم: الملائكة بنات الله، وهؤلاء زادوا على الشرك ضلالات أخر، التجسيم وتجويز الفناء على الله تعالى، فإن الولادة مخصوصة بالأجسام الكائنة الفاسدة، وتفضيل أنفسهم عليه حيث جعلوا أوضع الجنسين له وأرفعهما لهم، واستهانتهم بالملائكة حيث أنثوهم ولذلك كرر الله تعالى إنكار ذلك وإبطاله في كتابه مراراً، وجعله مما {تَكَادُ السموات يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأرض وَتَخِرُّ الجبال هَدّاً} والإِنكار هاهنا مقصور على الأخيرين لاختصاص هذه الطائفة بهما، أو لأن فسادهما مما تدركه العامة بمقتضى طباعهم حيث جعل المعادل للاستفهام عن التقسيم.

1 | 2 | 3 | 4